قال أبو البقاء صالح بن
شريف الرندي المتوفى سنة 798 ه
يرثي الأندلس
لكلّ شيءٍ إذا ما تمّ نقصانُ فلا يغرَّ بطيب العيش إنسان
هي الأمور كما شاهدتها دول منْ سرّه زمنٌ ساءتهُ أزمان
وهذه الدّار لا تبقى على أحد ولا يدوم على حالٍ لها شان
يمزّق الدّهر حتماً كل سابغةً إذ انبتْ مشرفيات وخرصانُ
وينتضي كلَّ سيفٍ للفناءِ ولو كان ابن ذي يزنٍ والغمدَ غمدان
أين الملوك ذووا التُّيجان من يمن وأين منهم أكاليلٌ وتيجان
وأين ما شاده شدّاد في إرمٍ وأين ما ساسه في الفرس ساسان
وأين ما حازه قارونُ من ذهب وأين عادٌ وشدَّاد وقحطان
أتى على الكلّ أمرٌ لا مردَّ له حتى قضوا فكأن القومَ ما كانوا
وصار ما كان من ملكٍ ومن ملكٍ كما حكى عن خيال الطيف وسنانُ
دارَ الزمانُ على دارا وقاتله وأمّ كسرى فما آواه إيوان
كإنما الصَّعب لم يسهل له سببٌ يوماً ولا ملك لدُّنيا سليمان
فجائعُ الدَّهر أنواعٌ منوَّعة وللزّمان مسرَّات وأحزان
وللحوادث سلونٌ يسلهلها وما لما حلَّ بالإسلام سلون
دهى الجزيرة أمرٌ لا عزاءَ له هوى له أحدٌ وانهدّ ثهلان
أصابها العين في الإسلام فارتزأت حتى خلت منه أقطار وبلدان
فاسأل بلنسيةً ما شأنُ مرسيةٍ وأين شاطبةٌ أم أين جيّان
وأين قرطبةٌ دارُ العلوم فكم من عالمٍ قد سما فيها له شان
وأين حمصٌ وما تحويه من نزه ونهرها العذب فياض وملآن
قواعد كنّ أركان البلاد فما عسى البقاءُ إذا لم تبقَ أركان
تبكي الحنيفيّة البيضاء من أسف كما بكى لفراق الإلف هيمان
على ديار من الإسلام خالية قد أقفرتْ ولها بالكفر عمران
حيث المساجد قد صارت كنائس ما فيهنَّ إلاَّ نواقيسٌ وصلبان
حتى المحاريب تبكي وهي جامدة حتى المنابر ترثي وهي عيدان
يا غافلاً وله في الدّهر موعظة إن كنت في سنّة فالدّهرُ يقظان
وماشياً مرحاً يلهيه موطنهُ أبعدَ حمصٍ تغزُّ المرء أوطان
تلك المصيبة أنستْ ما تقدّمها وما لها من طوال الدَّهر نسيان
يا راكبينَ عتاقَ الخيل ضامرة كأنّما في مجال السّبق عقبان
وحاملين سيوفَ الهند مرهفةٌ كأنها في ظلام النقع نيران
وراتعين وراءَ البحر في دعةٍ لهم بأوطانهم عزٌّ وسلطان
أعندكم نبأٌ من أهل أندلس فقد سرى بحديث القوم ركبان
كم يستغيث بنا المستضعفون وهم قتلى وأسرى فما يهتزّ إنسان
ماذا التّقاطع في الإسلام بينكم وأنتم يا عباد الله إخوان
ألا نفوسٌ أبيَّات لها هممٌ أما على الخير أنصار وأعوان
يا من لذلّة قومٍ بعد عزوّهم أحال حالهم جورٌ وطغيان
بالأمس كانوا ملوكاً في منزلهم واليومَ هم في بلاد الكفر عبدانُ
فلو تراهم حيارى لا دليل لهم عليهم ف ثياب الذُّلّ ألوان
ولو رأيت بكاهم عند بيعهمُ لهالكَ الأمرُ واستهوتك أحزان
يا ربَّ أمّ وطفل حيل بينهما كما تفرقُ أرواح وأبدان
وطفلةٍ مثل حسن الشمس إذ طلعت كأنما هي ياقوت ومرجان
يقودها العلج للمكروه مكرهة والعين باكية والقلب حيران
لمثل هذا يذوب القلب من كمد إن كان في القلب إسلام وإيمان
شكرا للقراءة نتمنا لك الاستفادة
مع تحيــــــــــــــــــــــات
مدونة تحفة القصر في الأدب العربي
0 التعليقات:
إرسال تعليق