قال أبو الحسن
التهامي يرثي صغيراً له
ويفتخر بفضله ويشكو زمانه وحاسديه
حكمُ المنية في البرية جار ما هذه الدّنيا بدار قرار
بينما يرى الإنسان فيها مخبرا حتى يري خبراً من الأخبار
طبعت على كدر وأنت تريدها صفواً من الأقذار والأكذار
ومكلّف الأيامِ ضد طباعها متطلّب في الماء جذوة نار
وإذا رجوت المستحيلَ فإنما تبني الرّجاءَ على شفير هار
فالعيش نومٌ والمنية يقظةٌ والمرء بينهما خيالٌ سار
فاقضوا مآربكم عجالا إنما أعماركم سفرٌ من الأسفار
وتركضوا حيل الشَّباب وبادروا أم نسترد فإنهنّ عوار
فالدَّهر يخدع بالمنى ويغصّ إن هنّا ويهدمُ ما بنى ببوّار
ليس الزمان وغن حرصت مسالماً خلقُ الزّمان عداوة الأحرار
إني وترتُ بصارمٍ ذي رونقٍ أعددتهُ لطلابةِ الأوتار
والنّفس إن رضيت بذلك أو أوبتْ منقادةٌ بأزمّةِ المقدار
أثنى عليه بأثرهِ ولو أنهُ لم يغتبطْ اثنيتُ بالآثار
يا كوكباً ما كانَ أقصرَ عمرهُ وكذّاك عمرُ كواكب الأسحار
وهلال أيام مضى لم يستدر بدراً ولم يمهل لوقتِ سرار
عجلَ الخسوفُ عليه قبل أوانه فحماهُ قبل مظنّةِ
الإبدار
واستلّ من أترابهِ ولدتهِ كالمقلةِ استلت من الأشفار
فكأنّ قلبي قبره وكأنهُ في طيّهِ سرٌّ من الأسرار
أن يعتبط صغراً فربَّ مقمّم يبدو ضئيل الشخص للنظّار
إن الكواكب في علوّ محلّها لترى صغاراً وهي غير صغار
ولدُ المعزى بعضهُ فإذا مضى بعضُ الفتى فالكلّ في الآثار
أبكيه ثم أقولُ معتذراً لهُ وفّقت حين تركت ألام دار
جاوزتُ أعدائي وجاور ربّهُ شتّان بين جواره وجواري
أشكو بعادكَ لي وأنت بموضع لولا الرَّدى لسمعت فيه مزاري
والشّرق نحو الغرب أقرب شقّةً من بعد تلك الخمسة الأشبار
هيهات قد علقتك أسباب الرَّدى واغتالَ عمرك قاطعُ الأعمار
ولقد جريتَ كما جريتُ لغايةٍ فبلغتها وأبوك في المضمار
فإذا نطقتُ فأنت أوَّلُ منطقي وإذا سكت فأنت في أضماري
أخفي من البرحاءِ ناراً مثل ما يخفى من النار الزّناد الواري
واخفض الزَّفرات وهي صواعد وأكفكفُ العبرات وهي جوار
وشهابُ نارِ الحزنِ إنْ طاوعتهُ أورى وإن عاصيتهُ متواري
وأكفُّ نيرانَ الأسى ولربما غلب التصبُّرُ فارتمتْ بشرار
ثوبُ الرّياءِ يشفُ عمّا تحته وإذا التحفتَ به فإنك عار
قصرت جفوني أن تباعدَ بينها أم صوّرتْ عيني بلا أشفار
جفّت الكرى حتى كانّ
غراره عند اغتماص العين وخزُ غرار
ولو استزارت رقدةٌ لطحا بها ما بين أجفاني من التَّيار
أحيي اللّيالي التّيم وهي تميتني ويميتهنَّ تبلُّج الأسحار
حتى رأيت الصُّبح تهتك كفُّه بالضَّوءِ رفرف خيمة كالقار
والصُّبح قد غمرَ النُّجوم كأنه سيلٌ طغى فطفا على النُّوَّار
لو كنتَ تمنعُ خاض دونك فتيةٌ منّا بحارَ عوامل وشفار
ودحوا قويق الأرض أرضاً من دم ثم انثنوا فبنوا سماء غبار
قومٌ إذا لبسوا الدُّروع حسبتها=خلجاً تمدُّ بها أكفّ بحار
لو شرَّعوا إيمانهم في
طولها=طعنوا بها عوض القنا الخطَّار
جنبوا الجياد إلى المطيّ وراوحوا بين السُّروج هناك وأكوار
وكأنما ملؤوا عيابَ دروعهم وغمود أنصلهم سرابَ قفار
وكأنما صنعُ السوابغِ عزَّه ماءُ الحديد فصاغ ماءَ قرار
زرداً فأحكم كل موصل حلقةٍ بحبابةٍ في موضع المسمار
فتسربلوا بمتون ماءٍ جامدٍ وتقنَّعوا بحبابِ ماء جار
أسدٌ ولكن يؤثرون بزادهم والأسدُ ليس تدينُ بالإيثار
يتزيَّن النَّادي بحسن وجوههم كتزيُّن الهالات بالأقمار
يتعطّفون على المجاور فيهم بالمنفسات تعطُّفَ الآظار
من كلّ منْ جعل الظُّبى أنصاره وكومنَ واستغنى عن الأنصار
وإذا هو اعتقل الفتاة حسبتها صلاَّ تأبطهُ هزبزٌ ضار
والليث إن ثاورتهُ لم يعتمد إلا على الأنياب والأظفار
زردُ الدّلاص من الطّعان يريحه في الجحفل المتضايق الجرَّار
ما بين ثوب بالدّماء مضمّخٍ زلقٍ ونقعٍ بالطّرد مثار
والهونُ في ظلّ
الهواينا كامنٌ وجلالة الأخطار في الإخطار
تندى أسرّة وجهه ويمينه في حالة الإعسار والإيسار
ويمدُّ نحو المكرمات أناملاً للرّزق في أثنائهنَّ مجار
يحوي المعاليَ كاسباً أو غالباً أبداً يدارى دونها ويداري
قد لاح في ليل الشّباب كواكب إن أمهلت آلت إلى الإسفار
وتلهُّبُ الأحشاءِ شيّب مفرقي هذا الضياءُ شواظ تلك النار
شاب القذال وكلُّ غصن صائرٌ فبنانه الأحوى إلى الإزهار
والشّبه منجذبٌ فلم بيضُ الدُّمى عن بيض مفرقه ذوات نفار
وتودّ لو جعلت سوادَ قلوبها وسوادَ أعيتها خضابَ عذّار
لا تنفرُ الظبيات عنه فقد رأت كيف اختلاف النّبتِ في الأطوار
شيئان ينقشعان أوَّلَ وهلة ظلُ الشباب وخلّة الأشرار
لا حبذا الشيبُ الوفيُ وحبذا ظلُّ الشّباب الخائنِ الغذَّار
وطري من الدَّنيا الشّباب وروقهُ فإذا انقضى فقد انقضت أوطاري
قصرت مسافته وما حسناته عندي ولا آلاؤه بقصار
نزداد همَّا كلّما ازددنا غنى والفقر كلُّ الفقر في الإكثار
ما زاد فوقَ خلّفَ ضائعاً في حادث أو وارث أو عار
إني لأرحم حاسديّ لحرّما ضمنتْ صدورهم من الأوغار
نظروا صنيع الله بي فعيونهم في جنَّة وقلوبهم في نار
لا ذنب لي قد رمت كتم فضائلي فكأنما بزقعتُ وجهَ نهار
وسترتها بتواضعي فتطلّعت أعناقها تعلو على الأستار
ومن الرجال معالمٌ ومجاهل ومن النجُّوم غوامضٌ ودراري
والناس مشتبهون في إيرادهم وتفاضل الأقوام في الإصدار
عمري لقد أوطأتهم طّرق العلا فعموا فلم يقفوا على آثاري
لو أبصروا بقلوبهم لاستبصروا وعمى البصائر من عمى الأبصار
هلاّ سعوا سعي الكرام فأدركوا أو سلّموا لمواقع الأقدار
وفشت خيانات الثّقات وغيرهم حتى اتّهمنا رؤية الأبصار
ولربما اعتضدَ الحليم بجاهل لا خير في يمنى بغير يسار
شكرا للقراءة نتمنا لك الاستفادة
مع تحيــــــــــــــــــــــات
مدونة تحفة القصر في الأدب العربي
0 التعليقات:
إرسال تعليق